" النتيجة ذهب" الشاعر...وليد.ع.العايش


 " النتيجة ذهب" 

         - قصة قصيرة 


مع انبثاق الأفق وميول الشمس إلى دائرة النوم كانت ربى قد انتهت من ضبصبة أغراضها استعدادا لرحلة الصباح ' أولادها الثلاثة الذين لم يتجاوز أكبرهم السابعة من العمر يلهون في حديقة المنزل فرحين برحلة مختلفة هذه المرة ' بينما الزوج ذهب للتو لشراء بعض الحاجيات من السوق محفوفا بمخاطر عدم كفاية المبلغ الذي يملكه لكل ما طلبت ربى .

كانت تعلم بأنه ربما لا يمتلك ما يكفي من المال' فصرت مصاغها الذهبي في قطعة قماش ثم في كيس أسود صغير كأرنب مازال في بداية رحلته إلى الحياة ' ( سيكون جاهزا في حال نقصنا المال هناك ) قالت ربى لنفسها ' بينما استهجن ابنها الأكبر متسائلا : ( لما تأخذين المصاغ يا أماه' يكفينا ما مع أبي ) ' حشرجت قليلا ثم قالت : ( لا بني أخشى أن يسرق وهو حيلتنا في هذه الأيام ) ' ربما اقتنع باسم بالجواب فعاد إلى لعبه مع أخويه .  

ماهي إلا حفنة من الوقت حتى حل الظلام ' شعرت ربى بمغص في البطن ' هرعت إلى المطبخ لتحضير ( البابونج ) الذي لم يستطع إيقاف الألم أو التخفيف منه لكنها تحاملت على نفسها ريثما يعود أبو باسم. 

( ما بك يا ربى ' وكأن شيئا ما قد ألم بك ) ' همست الزوجة في أذن زوجها كي لا يسمعها الأولاد : ( مغص مقيت يا أبو باسم ' شربت البابونج ولم يتحسن ) ' دار الزوج حول نفسه خشية على زوجته وعلى أن يؤثر ذلك على رحلة الصباح ' وضع ما اشتراه في المطبخ ثم عاد إليها ' ربت على كتفها بحنو كببر: ( هيا لنذهب إلى الطبيب ' لكن لا تخبري الأولاد ) . 

لم تتردد ربى في الرد رغم كرهها لزيارة الأطباء ' ورغم ثقتها بأنه مجرد عارض سيزول مع مرور الوقت . 

في عيادة الطبيب ( صديق الزوج ) دار حديث قصير ' بعد دقائق اتجه الطبيب بعد أن وضع السماعة جانبا وأوقف جهاز الإيكو ' كتب على ورقة صغيرة شيئا ما ' ( لا شيء يدعو للقلق يا أم باسم ولكن لابد من إجراء هذه التحاليل كي نقطع كل الشكوك) ' انتاب ربى خوف دفين ' اصفر وجهها للحظات لكن الطبيب قطع سلسلة الخوف : ( ما بك سيدتي ' شدي حيلك ' أفضل من أن يتزوج أبو باسم امرأة ثانية ) ... ضحك الجميع ' حمل الزوج الورقة ثم أعلن اختتام الزيارة . 

كان من بين التحاليل التي كتبها الطبيب ( تحليل براز ) ' وهو ما أثار رهبة ربى ' ولكن لا بد من ذلك ' ( صباح الغد سوف نضع التحاليل في المخبر ثم نذهب في رحلتنا كالمعتاد يا ربى ) قال الزوج ' أومأت الزوجة بالموافقة ثم أكملا طريقهما إلى البيت . 

مضت الليلة دون أي عارض ' فقد كانت ثقة ربى بنفسها كبيرة جدا ' لم تأبه للمطر الخريفي الذي تساقط ناعما في تلك الليلة ' ولعلها تلهت بمداعبة شعر زوجها قبل أن تغط في نوم عميق . 

جلبة الصباح كانت حاضرة ' كل شيء أصبح جاهزا للسفر ' وضعت عبوة البراز في كيس أسود ' ثم أكملت تحضير نفسها ' ( لحظات ونعود ' استعدوا للسفر يا أولاد ) ' دست مصاغها في حقيبتها الملونة ثم انطلقت مع زوجها إلى المختبر . 

لاحظ بأنها مرتبكة خائفة ' فأمسك بيدها ' ( ألم يخبرنا الطبيب بأن لا شيء يدعو للقلق يا ربى ' وإلا ... ) ' ابتسمت الزوجة على مضض إلى أن وصلا إلى المختبر ' وضعت كيس البراز الأسود ' قليل من الدم تم تفريغه في الأنبوب ' ( غدا مساءا سيكون جاهزا ) قال المخبري . 

دفع إليه أبو باسم بثمن التحليل ثم عادا مسرعين إلى البيت حيث يتربص الأولاد تأهبا للسفر في رحلة سنوية ' كان لابد من عبور الشارع من اليمين الى اليسار ' في تلك اللحظة ظهرت دراجة نارية مسرعة ' التصقت ربى بزوجها ' المطر كان أكثر اشتهاءا ' خطف أحد راكبي الدراجة النارية حقيبة ربى ومضوا مسرعين ' الطرق الخالية كانت كفيلة بتواريهما عن النظر بسرعة قياسية ' صرخت ربى ' حاول أبو باسم اللحاق بهما ولكن انتهى كل شيء . 

( ماذا في الحقيبة يا ربى ) ' سأل الزوج ' ( بعض حاجياتي النسائية وهاتفي ومصاغي) ' صمت هنيهة من الوقت ثم أردف : ( وأوراقك الثبوتية أيضا ؟ ) ' ( لا إنها في حقيبة باسم ) قالت ذلك بينما كانت دموعها تصفع وجنتيها ' ففي الكيس الأسود الصغير مصاغها كله وهو كل ما تملك ' خفف عنها أبو باسم: ( لا عليك بعوض الله ' سوف نكمل الرحلة لأجل الأولاد ) ' لم ترد ربى فقد اختنقت الكلمات في جوفها . 

سافرت الأسرة كاملة ' وحدها ربى كانت تعيش بين نارين ( الحقيبة المسروقة ونتيجة التحليل ) ' لكنها لم تظهر أي ردة فعل يمكن أن تؤثر على فرحة الأولاد فآثرت الصمت بل وشاركتهم الغناء . 

ثلاثة أيام مضت ' كانت جميلة جدا للأطفال ' وربما للزوج أيضا ' في عصر اليوم الثالث انطلق الجميع عائدين إلى البيت ' كانت الطريق طويلة جدا بالنسبة لربى ' حتى أنها أمضت الوقت وهي تتظاهر بالغفوة بين الحين والآخر حتى لا يوجه لها زوجها أو الأولاد أي سؤال ' وأخيرا وصلوا إلى البيت . 

طلبت ربى من أولادها إنزال الأغراض من السيارة وذهبت مع زوجها إلى المختبر القريب ' في ذلك الوقت كانت العصافير تغادر إلى أعشاشها ' والشمس للمرة الثانية تلملم أشيائها استعدادا للرحيل . 

دخل الزوجان إلى المختبر ' بادرت ربى بالسؤال: ( طمنا يا دكتور ) ' ابتسم لبرهة وهو ينظر إلى وجهها غير آبه بوجود زوجها ' ثم التف إلى خلف الطاولة وأخرج كيسا أسودا: ( لا شيء يا سيدتي ' النتيجة ذهب ' ذهب ) وناولها الكيس . 


وليد.ع.العايش 

٢٤ / ٨ / ٢٠٢٣ م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شاعر و تاجر... الشاعر..زياد الحمصي

رحيلٌ بلا وداع... الشاعرة.. سلوى احمد

قصيدة ( الدَّارُ داري ) ..بقلمي حازم قطب