قصة قصيرة لكاتبها أ. عبدالإله ماهل..... انتحار...


 قصة قصيرة لكاتبها أ. عبدالإله ماهل من المغرب 

انتحار...

استفاق على وقع حلم جميل، راوده طول ليلته، قض مضجعه، واقسم الا يحيد عنه. كان يمني النفس فيه بغد أفضل، ينسيه مغبة اشهاد تحصل عليه من رحم معاناة لسنين طويلة، قضاها بكاملها قعودا وقياما وسط زخم تلكم المحاضرات المارطونية التي غالبا ما كانت تنتهي على تابع، وتلكم المقررات الأشبه بالكتب الصفراء، والتي ما يكاد يأتي عليها حتى يجد نفسه على أول الطريق، يتسابق مع الزمن أنى يدركه شبح آخر العام، ولا من أعذار يتذرع بها سوى ترقب نتيجة عساه يتملى من خلالها بعطلة موقوتة على شاطئ متاخم لحيه، وكأنها استراحة محارب في انتظار إعادة الكرة مرات ومرات، كان مسك ختامها مجرد اشهاد يتيم على ورق لا يسمن ولا يغني من جوع، وضعه على مفترق طرق شتى بين طموح جامح قاتل ورضوخ لواقع مخز ومذل.  

ساعتها ركب رأسه، ولم يرتضي لنفسه أيها وظيف يتهافت عليه ذوي الطرد والرسوب،  يقعده حبيس المكاتب، وينأى به بعيدا بعيدا دون طموحه، ولا من خير يؤتى منه سوى لغة خشبية تبتلع كل ضمير حي لتؤسس لواقع مقيت سمته النفاق ولا شيء غير النفاق.

وعلى غير بغثة منه وجد نفسه ينجرف مع الثيار، ويقبل الانخراط في مباراة أقل ما يقال عنها ملحقا قضائيا.

أعد لها العدة وتكبد خلالها من النفقات ما لا يطاق بدءا من الوثائق وانتهاء بالتنقلات والمبيت؛ ليحجز مقعدا هناك، خيل إليه من أول يوم ان الامور تسير بشكل طبيعي حتى خرج عليهم ومن حيث لا يدرون مسؤول رفيع المستوى، انبرى أمام الملا وبأعلى الأصوات يندفع اتجاه موظف بالحراسة، يزمجر في وجه، ويأمره القبول بمتبار يتوسط القاعة بالصف الثالث وعلى مرأى المتبارين - كان قد انسحب من اول يومه وبقي مقعده شاغرا في اليوم التالي وعاد يشغله في اليوم الثالث والأخير- فكانت مهزلة لم يستطع معها أيها أحد أن ينبس ببنت شفة؛ اللهم ان يطأطأ رأسه، ويستسلم لواقع مخيب سرعان ما بوأ ذلك المتباري  وعلى حساب الغلابة تصدر قائمة الناجحين وبامتياز. 

خرج من المباراة صفر اليدين، منكسر الخاطر، ولا من بديل أمامه غير الانتظار ولا شيء غير الانتظار. 

توارى عن الأنظار بعيدا بعيدا، وقبل بأيتها مهنة يسد من خلالها بعض حوائجه؛ ظنا منه ان ريح التغيير آتية لا محالة طال الزمن أم قصر.

لم يطل به المقام كثيرا اذ لاحت من بعيد بادرة تهم المحاماة، كانت في وقت ليس ببعيد غير مرغوب فيها، وآخر ما يفكر المرء فيها -لا أقل ولا أكثر- متوا بمن نفقت بهم الأيام.

خاف على نفسه البطالة والعطالة والسن يجري ولا يرحم، حزم أمره ولم يتوانى في خوض غمارها، ولم يرصد بأم عينيه ولله الحمد  أيتها شائبة تذكر، تعكر عليه أجواء التباري. 

كانت الأسئلة في المتناول، ولم يستعصي عليه أي جواب،  وفي قرارة نفسه أن النجاح مضمون مائة في المئة.

غادر قاعة الامتحان وراح ينتظر مع المنتظرين؛ ليتفاجأ بصبيحة يوم بخبط على الباب، وولولة من أم - كانت المسكينة تعقد عليه آمالا  كثيرة - تستعجله بنبأ ابعد من الخيال "حتى المحاماة طمعوا فيها أولاد العائلات..."

دارت به الدوائر، شد على رأسه بكلتا يديه، ترنح ذات اليمين وذات الشمال والأسى يكاد يرديه قتيلا، كانت الصدمة أقوى منه ولم يستطع معها صبرا، لتجده أمه في صبيحة يوم غد جثة هامدة، معلقة بأعلى الغرفة، والحبل يلف عنقه منتحرا  واضعا حدا لحياته، أنهى به سنين معاناة؛ ليبقى وصمة عار على مجتمع أقسم ألا يتغير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شاعر و تاجر... الشاعر..زياد الحمصي

رحيلٌ بلا وداع... الشاعرة.. سلوى احمد

قصيدة ( الدَّارُ داري ) ..بقلمي حازم قطب