ليستْ كذبةً لأوّل نيسان. صورٌ قَرويّةٌ.. الشاعر.. عبد الله سكرية


 ليستْ كذبةً لأوّل نيسان. 

صورٌ قَرويّةٌ..

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه .

أنا ابنُ قريةٍ لبنانيَّةٍ بعيدةٍ عمّا كلِّ ما هو مدنيٍّ.

إبنُ صاحبِ صنعةٍ أتتْ بعيشٍ حلالٍ،  فاستطاعَ صاحبُها أنْ يُعيلَ ،ممّن بقوا على قيدِ الحياة، أربعةً أفراخٍ صبيةٍ وخمسةَ فريخاتِ بنات .الزوجة تطلبُ وهو يستجيبُ ، وكانَ الهمَّ أن يعملَ وأنْ يُصلّي .وهو شأنُ القرويينَ جميعهِم . زراعةٌ ، فلاحةٌ ،حلبُ ضرعٍ ومعها بعضُ وظائفَ خفيفةٌ جلّها في حمى الوطن . ويبقى  النّداَءُ الأمثلُ أنّ اللّهُ أكبرُ ليسارعَ الكلُّ إلى الصّلاةِ . 

إيمانٌ فطريٌ، وعلاقاتٌ فيها ودٌّ وإيثارٌ،وعملٌ يصاحبُه تعاونٌ وحلالٌ .وككلِّ قريةٍ كانت مدرسةٌ رسميّةٌ ، وكان مخفرٌ للدّركِ ،ومفرزَةٌ للجماركِ . 

وفي قريتِنا تلك كانَ المعلّمون الأهليون أقلَّ من عدَدِ أصابعِ اليدِ الواحدةِ. فكان من الطّبيعيّ أن تستجلبَ الوزارةُ معلّمين من شمال لبنان َ أو من جنوبِه ويكونُ للوسَطِ منْهُ حصّتُه .وهذا شأنُ قطاع الأفرادِ من قوى الأمنِ الدّاخلي  ومن موظّفي الجمارك .

موظّفونَ غرباءُ يؤدّون واجبَهم الوظيفيَّ بعيدًا عن أهاليهم وعائلاتِهم . وكان طبيعيًا أن يزاولَ الجميع مهامّهم ، والضّروريَّ كان أن يتمَّ التّعارفُ وتُبنى الصّداقاتُ . كان لافتًا لدَيَّ ،وأنا بعدُ فتى ، أن يلبَّي دعواتِنا "بولسُ وزينُ وجوزيف" ومعه شقيقتُه "جوزفين" وخطيبُها "باخوس" الذي صار زوجَها في ما بعد .وعلى طعام غداءٍ أن يكون "سميرٌ وأحمدُ وعبّاسٌ" ومعهم "إدمون" . وتأتينا "ليلى ويمنُ ورجاءُ" ومعهنّ" شاديةُ" والحفلُ تبّولةٌ أو قهوةٌ ،وتروحُ تتسلّى القاعداتُ بالحديثِ عن هذا وتلك .وتُعنى السّيدةُ الوالدةُ ب"ماري" الحاملِ  في شهورِها الأولى،وكأنّ شهرَ عسلِها كانَ في قريتِنا ، وما كانتِ الوالدةُ  لتبخلَ في الوقتِ عينِه عن "جانيتْ" بأن تُعطيها الإرشادات الخاصّةِ بمولودِها الأوّلِ وقدصارتْ له أمًّا منذ فترةٍ بسيطةٍ ..  

وتتوالى السّنون ..ومع تواليها يذهبُ بعضُهم إلى حيثُ يُطلَبونَ كموظّفينَ،  ويأتي آخرون غرباءُ، ليصيروا معارفَ وأصدقاءَ كسابقيهم.وفي قريتِنا تلكَ ، ما من شيِءِمن طعامٍ كان يُحضّرُ في أفرانٍ أو مطاعمَ، وكنّا نحن متى نفدَت الأرغفةُ من البيتِ نطلبُ من الجيرانِ بضعةً منها لنُعيدها حينما يتمُّ التجهيزُ للخَبزِ وتوابعِهِ .وأذكرُ أنَّ والدتي قد أرسلتْنا أنا وأخي الأصغر ، لأتفقّدَ ،مع مؤونةٍ نحملُها، اثنينِ جارَين من رجالِ الجماركِ في نهارٍ كانتِ فيه الثُلوجُ تطرقُ على الأبوابِ ،وثلوجُ قريتِنا متى كانتْ تتراكمُ ، كان لها شأنٌ خاصٌّ بالعملِ والصّبرِ والصّقيعِ ، فوجدتُهما قد وضعا ،على سطح المدفأةِ،عجينًا كانا حضّراه، والهدفُ أن يأكلا خبزًا.والطّريفَ أنَّ أحدَهما عاد إلى بيتِنا ليقدّمَ واجبَ العزاءِ بوفاةِ السّيِّدِ الوالدِ بعد غيابٍ طال واحدًا وأربعينَ عامًا . وهو الّذي كنت على صداقةٍ معَه بعدَ أنْ  عيّنت مدرّسًا، وكنتُ قبلَها طالبًا في دار المعلّمينَ الإبتدائيَة . 

وما زال صديقي "إدمون" هذا على تواصلٍ معنا،  وقد أخذَنا العمرُ عتيّا .

تعارفُ وتعاملٌ ووحدةُ انتماءٍ كمَن ولِدنا من أمٍّ واحدةٍ لوطنٍ واحدٍ ، يُعزّزُها ثقافةٌ جامعةٌ ما كان فيها ما يُنغّصُها شأنَ هذه الأيّام ..

سقاها اللّه أيَّامًا .

                                      عبد الله سكريّة ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شاعر و تاجر... الشاعر..زياد الحمصي

رحيلٌ بلا وداع... الشاعرة.. سلوى احمد

قصيدة ( الدَّارُ داري ) ..بقلمي حازم قطب