مدخل الى أخلاق القرآن ـ نظرة مختلفة...بقلم الشاعر...محمد الفضيل جقاوة


 مدخل الى  أخلاق القرآن  ـ نظرة مختلفة ـ

1 ــ تمهيد:

تختلف القيم والأخلاق من مجتمع إلى آخر ، تتحكم في  ذلك جملة عوامل أهمها المرجعية الدينية العقدية والفلسفة التي يتبناها المجتمع، و الملاحظ ان جل المجتمعات تتسم قيمها وأخلاقها بالتّغيّر عبر الأزمنة، فبماذا تتميز الأخلاق في الإسلام عن سواها؟ وكيف ينبغي أن ننظر إليها؟

2 ــ عرض:

الأخلاق في الإسلام قسمان: أخلاق صالحة وأخلاق طالحة. الصالحة هي أوامر الله وأما الطالحة فهي نواهيه.

و المتأمل في أوامر الله ونواهيه سيكتشف حكما جلية رائعة مبهرة، وتلك ميزة يتسم بها التشريع الرباني وحده، فالله سبحانه وتعالى ما أمر إلاّ بما فيه مصلحة عباده، و لا مصلحة تلحقه إن استجابوا، وما نهى إلاّ عمّا فيه مضرة عباده ولا ضرر يلحقه إن لم ينتهوا.

سننظر إلى الأخلاق بقسميها نظرة مختلفة عن المألوف.

إنّ أوامر الله ــ وقد سماها هو عز وجل في كتابه الكريم الصالحات ــ ما هي في جوهر الامر إلاّ أسباب رافعة إن التزم بها أي مجتمع حققت له الرقي والازدهار بالحتمية المودعة فيها. و ما تلك النواهي إلاّ أسباب مؤدية الى الانهيار إن عمل بها أي مجتمع بالحتمية المودعة فيها أيضا.

حين يقول المولى عز وجل: (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض )) فهو يضمن لهم الاستخلاف انطلاقا من علمه ان الصالحات ــ أسباب التقدم ــ تعمل بالحتمية المودعة فيها.

و الاخلاق في الإسلام ثابتة غير متغيرة، وهذا الأصل، فاذا كانت قوانين الكون التي ينتظم وفقها وتحافظ علي سلامة سيرورته هي من تدبير الخالق، فقوانين المجتمع ــ الاخلاق الصالحة ــ هي ايضا من تدبير الخالق ، وهي التي تحافظ على ديمومة المجتمع وعلى بقائه وتقدمه وازدهاره.

إنّ الأعمال الصالحة التي أمر بها الخالق عز وجل يمكن أن نعطيها تسمية أخرى فنقول هي قوانين إنسانية. إنّها قوانين ثابتة كقوانين الفيزياء والرياضيات والاحياء، وأنها عاملة بالحتمية المودعة فيها، وأنها متفاوتة في درجة تأثيرها وعملها إيجابا، عكس الاعمال الطالحة التي يمكن ان نسميها قوانين هدم، إنها لا تختلف عن سابقتها في شيء لكن في الاتجاه السلبي طبعا، والمؤسف ان الأثر قد لا يظهر مباشرة لذا استهان الناس بالصنفين من الاخلاق معا، لكن كيف تعمل هذه القوانين (الأخلاق) بالحتمية المودعة فيها؟؟ سنقيم البرهان على ذلك بمثال بسيط من الواقع.

ان اختيار معلم ــ في مسابقة توظيف ــ اختيارا كاذبا مغشوشا ـ العمل بقانون هدم ـ ستترتب عنه نتائج وخيمة مرعبة، فهو سيدرس مدة تقدر باثنتين وثلاثين سنة، فاذا كان معدل القسم بين خمس وثلاثين وأربعين تلميذا فهو سيدمر مستقبل ألف ومائتين تلميذ، وسيدمر نفسه أيضا بهذا الاختيار المغشوش.

إن الله أعطى كل فرد قدرة ما في مجال ما، وهذا ما يؤكده علماء النفس، ويؤكده رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: ( كلّ ميسر لما خلق له) و التربية الناجحة هي التي تساعد الفرد على اكتشاف قدرته وعلى تنميتها، و بذلك تضمن وضع الفرد في المكان الذي ينفع فيه نفسه وينفع فيه مجتمعه، إننا حين نغشّ  فنحن أولا نقوم بقتل قدرة  الفرد التي زوده بها خالقه، ثم نقوم  بتحويلها، وإنّنا بذلك نضع الفرد حيث يضر نفسه ويضرّ مجتمعه، إننا كمن  يضع الكبد مكان الكلية في نفس الجسد، و يضع العين بدل الأذن والقدم بدل الدماغ.

ندفع الثّمن بفعل الحتمية الكامنة في الكذب والغش، لكننا لا نرى الأثر فورا لان أعيننا عمي وبصائرنا مثلها، إنه ثمن باهض رهيب أكبر من الدمار الذي تخلفه القوانين المادية إن وظفت في الدّمار.

وخلاصة القول: الأخلاق ما هي إلاّ قوانين وأسباب عاملة بالحتمية المودعة فيها إيجابا أو سلبا.

.

محمد الفضيل جقاوة

27/12/2020

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شاعر و تاجر... الشاعر..زياد الحمصي

رحيلٌ بلا وداع... الشاعرة.. سلوى احمد

قصيدة ( الدَّارُ داري ) ..بقلمي حازم قطب