لغتنا الجميلة... الشاعر... خالد خبازة


 لغتنا الجميلة

في الشعر العربي

في الحشو المفيد .. و الحشو غير المفيد

لفت نظري من خلال مطالعاتي لقصائد العديد من شعرائنا في الشبكة العنكبوتية .. و من خلال  متابعاتي و أنا رئيس لبعض لجان التحكيم ..في عدد من المنتديات الأدبية ..أن كثيرا منهم .. و مع احترامي للجمبع .. لم تكن  تخلو قصائدهم و اشعار بعضهم  .. من الحشو الزائد الذي لا فائدة منه .. و لا طائل .. و كان بامكانهم أن يتخلوا عنه و بسهولة ..

بالرغم من أن هناك من الحشو ما يمكن اعتباره  جميلا و مفيدا للمعنى في البيت

لذا .. فانني أدعو شعراءنا الأكارم .. و خاصة منهم من استجد في نظم الشعر و ابتدأ به .. أن يراعي في أشعاره عدم التكلف  أو اللجوء الى الألفاظ و العبارات التي لا لزوم لها و التي لا تخدم المعنى في البيت الشعري .

وقد ارتأيت .. مستعينا بعدد من كتب التراث و أشعار بعض من شعراء العرب الأوائل.. أن أشير الى وجوب الابتعاد قدر الامكان عن كل ما هو حشو زائد ..

مع الاشارة الى الحشو السديد في المعنى المفيد .. ضاربا لهم أمثلة من التراث العربي ..

في الحشو غير المفيد .. أولا

وهو

أن تأتي بألفاظ زائدة لا فائدة فيها .. لو أنك استغنيت عنها .. لم يؤثر ذلك على المعنى و لا على النص .

كقول النابغة :

توهمت آيات لها فعرفتها ... لستة أعوام و ذا العام سابع

و كان الأجود أن يقول ..

لسبعة أعوام ..

فيستغني عن قوله .. لستة أعوام و عام سابع .

و منه :

نأت سلمى فعاودني ... صداع الرأس و الوصب

فالرأس .. حشو لا فائدة منه .. لأن الصداع لا يكون الا في الرأس .. و لا حاجة للشاعر بهذه اللفظة

و من ذلك أيضا قول الشاعر :

أبغي فتى لم تذر الشمس طالعة ... يوما من الدهر الا ضر أو نفعا

فقوله .. طالعة .. حشو و زائدة .. لأن لفظة ذرت و طلعت .. بمعنى واحد .

و منه قول الآخر :

فما برحت تومي اليه بعينها ...تحذره خوف الوشاة  وتومض

فقوله : و تومض .. زيادة و حشو لا لزوم له .. لأن الايماض يكون بالعين .. و يكتمل المعنى بقوله تومي اليه .. و لا حاجة به الى الايماض أو العين .

و أحيانا يقوم الشاعر بتكرار الكلمة الواحدة في البيت الواحد بشكل يؤدي الى فساده .. كقول البعض :

و لست بخابئ لغد طعاما ... حذار غد لكل غد طعام

كرر لفظة غد ثلاث مرات.. فأفسد .. وكان يكفيه ترديدها مرتين

و منه للمتنبي :

أسْدٌ فرائسها الأسود يقودها  ... أسد تصير له الأسود ثعالبا

و ليس أجمل من تعليق الصاحب بن عباد على البيت :

عجبا .. كيف خلص من هذه الأجمة ؟!

و كان الأصمعي يستقبح قول الشاعر :

لما النوى ، جد النوى ، قطع النوى ... كذاك النوى قطاعـــة لوصال

يقول الأصمعي :

لو أن الله سلط على هذا البيت شاةً ، فأكلت نواه ، و أراحتنا منه .

و منه قول المتنبي أيضا :

عظمت فلما لم تعظم مهابة ... عظمت فكان العظم عظما على العظم

علق الصاحب بن عباد على البيت قائلا :

يصلح أن يكون ناووسا في كبار المقابر لما فيه من العظام .

أما الحشو السديد في المعنى المفيد 

وهو ما يسميه البعض .. بالالتفات .. وهو تسمية جيدة ..

وكنت بحثت فيه بمقالة مستقلة

فهو

ان يأتي الشاعر بألفاظ قد لا ترتبط بالمعنى العام للبيت .. الا أنها تزيده قوة و جمالا .. وه من أجمل المحسنات البديعية

قال أبو الشيص الخزاعي :

ان الثمانين و بُلّغتها ... قد أحوجت سمعي الى ترجمان

تنسب أكثر كتب التراث هذا البيت الى عوف بن محلم السعدي الشيباني

فقوله :

و بلغتها :..  حشو سديد ..

و قد أفادت من الدعاء معنى جيدا ،

و أنشد اليزيدي :

فمن بالعين التي كنت مرة ... اليّ بها ، نفسي فداؤك ، تنظر

قوله : نفسي فداؤك ..  كقوله : و بلغتها ، في الدعاء .

و قال أبو الوليد عبدالملك بن عبدالرحمن الحارثي :

فلو بك ما بي - لا يكن بك - لاغتدى ... و راح اليك البرّ بي و التقرب

فقوله :

لا يكن بك .. حشو حسن . و جميل جدا

و أنشد أبو عمرو بن العلاء لشاعر جاهلي :

وعود - قليل الذنب - عاودت ضربه ... اذا هاج شوقي ، من معاهدها ذكر

و قلت له ذلفاء - ويحك - سببت ... لك الضرب فاصبر ان عادتك الصبر

أخذ ابن المعتز هذا المعنى فقال :

و خيل طواها القود حتى كأنها ...أنابيبُ سمرٌ من قنا الخط ، ذُبّل

صببنا عليها - ظالمين – سياطنا ... فطارت بها أيدٍ سراع وأرجل

فقوله :

ظالمين ..  مثل قوله ..  قليل الذنب

فهذا من الحشو السديد ، في اللفظ المفيد .

أما اذا كان الحشو ، كقول أبي العيال الهذلي :

ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس و الوصبُ

فالصداع لايكون الا في الرأس .. و ذكر الرأس حشو غير سديد ،

و مثله قول ديك الجن :

فتنفستْ في البيت اذ مُزجت ... بالماء و استلّت سنا اللهب

كتنفس الريحان خالطه ... من ورد جور ناضر الشعب

فذكر المزج يغني .. و ذكر الماء زيادة لا يحتاج اليها ،

و لقد قصر عن قول أبي نواس :

سلوا قناع الطين عن رمق ... حي الحياة مشارف الحتف

فتنفست في البيت اذ مزجت ... كتنفس الريحان في الأنف

*****

خالد ع . خبازة

اللاذقية

عن عدد من كتب التراث

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شاعر و تاجر... الشاعر..زياد الحمصي

رحيلٌ بلا وداع... الشاعرة.. سلوى احمد

قصيدة ( الدَّارُ داري ) ..بقلمي حازم قطب