ما ذا...يبكيني...بقلم الشاعر ..د. المفرجي الحسيني


 ما ذا...يبكيني

---------------------

إنهم يسرعون ،تسرع الاناشيد والازهار ،لِأرجع وحدي ،تعثرت بالشمس التي أشرقت والحجارة وساقي الضعيفة ،تعثرت ثم ركضت ،يا حافظة طفولتي ،رجعت فخذيني ،أطلقي جناحيك عليّ  ،أغمري عري روحي

وخذيني  ،مضى زمن طويل ،كنت فيه أرعى غربتنا ،أحفظ اسمك الحبيب يا قريتي ،جئت أعلن حبّك ،اعلن صوتك في دمي  ،فخذيني ،لم أكن ضالا ولم أكن بطلا ،لما طغى الزمان الطويل ،أقدمت على حبّك بصدري ،فاجمعيني وخذيني يا قريتي... عشنا عقدين من الزمان على الكفاف وارتوينا ،سَمِنا على سطوح اكواخ القرية ،لم تعرف بنا قرية ظامئة ،صمت يرفرف على هامنا ،يا صوت من أدخل ظلمة الليل الى قلبي ،لقريتي وجه آخر ،عند غياب الشمس ،نولد لا نبصر غير الغروب ،نكبر بين العوسج ،لا نبصر غير المغيب ،نرحل للأبدية ،شفق ينطفئ ،تموت شمس قريتي ،عندها يحلم أطفالها الموتى ،أنا قادم بين فترة واخرى ،لم أرَ الايام  ،نغادر قرى نحثو بها ،نحيبها أنينها وتنتحب ،جسدي مستيقظ بالظلام ،قمر مبتهج ،مسحور يغني لسنين ماتت تفاجئني نصفي معي ونصف ضدي ،ستبدأ ،حشد كل الطيور والزهور والدروب القديمة ،جسدي المستفيق ،يأوي الضباب ،نموت على الطرقات

سجاننا الانين ،أجسادنا لا يدجنها الموت  الذي يموت  ولا يناقضه الموت الذي يموت ،بيوت للمتخمين في الخرائب نحتضر ،طوبى لمن رافقته الشمس بين الخرائب ،ولسان من دم يصرخ بين القرى والاكواخ... الحزن ممتد على مساحة قريتي ،أحسّبها  ،أتداعى، أبكي ،ماذا يبكيني فجرها مات ،لا زقزقة عصافير ولا دوح يمام ،ظلال الغيوم تغطي الحقول والغابات ،ماتت شمسها، الازهار والبراعم ، ماتت قبل نثاث المطر غريب في قريتي ،تغشاني الحزن ،موت بعده موت وأشجان ،وجهي ساحة شاسعة للدمع ،كثرة آهاتي  ،صار صدري تابوتا للموت ،يحمل كل الاحزان ، رأسي ،صلاتنا مجروحة ،يختفي جسدي في بيداء الخوف

الأهل ، الأصدقاء ،يختفون في باطن الارض ،لا أستطيع أن أرى موتهم

قلبي لا يطاوعه الوقوف خلف النعش ،عدت وبي حزن شديد ،الغربة تثبت اضفارها في وجهي ،عُميت ،تأبى غربتي اطلاق سراحي ،شاركت الجمع دموعي ،غربتي صحراء، منبوذ ،أحتسي الحزن ،متسربل به ،يضمني الجوع اليه ،جوع الموت والرعب ،يظل النهر يسري ليل نهار ،اذا أدركه الحزن ،نحن الحزن والظل ،حزننا لا يتمرغ في ساحة الموت... اتّسع الجرح ،يصعد لِعلياء الشمس ،مأوى الألوان، النار والموت ،جرحك عميق كالبحر ،مَنْ يُقطّب جرحكِ يا قريتي، الراكض خلف الدمع النازف،

من وجه العاصفة وهدير البحر، من أزهار البر ،كي لا أرَ الموت ،خلعت عيناي ،لكي لا أسمع ،خلعت أذناي ،خلعت نفسي من عصر، الانسان القاتل ،أوقدت كلماتي نارا ،كجبال الاحزان ،لملمتها كفن لليمام ،صنعتها شالا للنهر ،المنساب الاخرس ،أينما أتوجه، قتلى! ،الى أين أسري؟ ،كبر حلمي والحزن النابت، في وادي القلب ،انسدل الليل على سماء القرية

غرز أنيابه ،في أفقها تتجمع أنياب الصمت ،تنشب أضافرها النارية،

في نثاث المطر، في جسم أطفال القرية ،بكى البحر، صار الزبد دموعا

تكلمت العيون الدامعة ،وابتلت الشفتين بماء حزن الصمت...

**********

د.المفرجي الحسيني

ما ذا يبكيني

العراق/بغداد

16/3/2021

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شاعر و تاجر... الشاعر..زياد الحمصي

رحيلٌ بلا وداع... الشاعرة.. سلوى احمد

قصيدة ( الدَّارُ داري ) ..بقلمي حازم قطب