الشاعرة.آمال أَسعد)


 [[في صباحٍ مرّ فيه الموتُ على عجل، اختطف فيه ثماني عشرة زهرةً قبل أوانها، فشدّني هذا الخبر، ولم أستطع أن أمضي وكأنّ شيئًا لم يكن. فخرجتْ هذه الكلماتُ من أعماقي، محمولةً على وجعٍ لا يُحتمل، فنحن في النهاية أبناء وطنٍ واحد، ووجعُنا موحّدٌ ، وآلامُنا هي الحبرُ  الذي لا يعرف العزلة عن الورقة والقلم.]]


          {{ رحلن قبل أن يُزهرن}}


في فجرٍ كُتِب له أن يُشرِق بالحياة، خرجَتْ  فتياتٌ يانِعاتٌ يحملن على أكتافِهِنَّ أحلامًا كبيرةً، ويحملن مسؤولياتِ الكِبارِ وأحلامَ الطُّفولةِ، بساعِدٍ كان الإصرارُ عازمًا أن يُزيل صخرة قهرٍ جاثمةً على الصدر، كأنها جبل.


وبدموعٍ غزيرةٍ سأروي قصص فتياتٍ  يافعاتٍ تمسَّكْنَ  بالحلم،

وحملْن على أكتافهنّ أعباءَ الكبار،

نضجن قبل أوانهن، ومضين بخطى واثقة لا تعرف الكسل.


"أسماء"، خيوطُ حلمٍ راودها متى تلبسَ بياضَ الفرحِ، ولم تكن تدري أن البياضَ ذاتهُ سينتظرها في كفنٍ، ،، "وشيماء” كانت تُنصت دومًا لصوت حلمٍ يسبق الوقتَ نحو مقعدٍ جامعيٍّ، تخيلته كأنه جناحُ نجاةٍ من ضيقِ حالٍ تكاد تفقد فيه الأملَ… “وسمر” حملت عبءَ الحياةِ باكرًا على أكتافِها الصغيرةِ، لتخفف عن والدها آثار قساوة لا يحملها جَمَل.


وفي لحظةٍ جاءت خاطفةٍ لا رحمةَ فيها، تفَتَّتَ الحلمُ في لحظةٍ داميةٍ، باغت فيها حادثُ سيرٍ، ناتجٌ عن استهتارِ سائقٍ بحياةِ البشرِ، وكان كافيًا ليسرق أرواحَهنَّ، ويحوّل الضحكاتِ إلى صمتٍ أبديٍّ، ويجعل من العناقيدِ سلالًا من وجع لا يندمل.


لتُحَمل أجسادُهُنَّ  في توابيتٍ، وأرواحُهُنَّ محلقةٌ فيها كأنها خفيفةٌ على الأرضِ، لكنّها ستبقى في نفوسنا ثقيلةَ الأثرِ. ووراء كل زهرةٍ رحلت، بقيت قصةٌ تحكي معاناةَ أمٍّ تبكي بلا صوتٍ، وتحنّو على صورةِ ابنةٍ غابت فرحتها قبل أن تكتمل،


لتبقى قلوبُهُنَّ ممزقةً، تتنتظر عودةً لا تأتي، وتحاول أن تخفي دموعَها خلف سُلوانٍ، بعد أن صار الصبرُ رفيقَ دربهنّ، يمضينَ فيهِ بصمتٍ ثقيلٍ، ووجعٍ داخلي لا يُحتمل


وبعد أن كانت كل أمٍ تزرع الأيام أملًا، لتبصر ريحانةَ قلبها تتفتّح أمام عينها،  فباتت الليالي طويلةً في غياب أصواتِهنَّ، وكل نبضةٍ في قلب الأم تحكي قصة غياب لهُنّ قد سجّلها  الأجل.


فمن يواسي الكرْمَ  بعد رحيلهنَّ؟ ومن يقنع الشجرةَ أن زهراتها لن تعود؟ ومن يخبر الطريق التي ارتدى مسارها ثوب الدمِ الأحمر أنها حملت في حضنها أرواحًا أنقى من أن تُنسى أو تضمحلّ؟


(ليبقى هنا سؤالٌ يطلب جوابًا:

من يعيد لقلوبنا يقينَ الأمانِ، بعد أن صارت طرقاتنا توصّلُ  إلى غيابٍ لأبنائنا، دون عودةٍ مُؤكدةٍ للأهل؟)


(آمال أَسعد)

فِلَسطين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يا كاتب للشعر.. // بقلم الشاعر حافظ لفته

حين يرتعش القلب **بقلمي / خديجة شما khadija Shamma

إذا جن الليل. * بقلمي : خديجة شما