فرَّ هارباً (قصة قصيرة) بقلم مسير الجابري


 فرَّ هارباً (قصة قصيرة) بقلم مسير الجابري

في ليلة شتوية قارصة البرد وشديدة المطر ،وفي قرية ريفية هادئة ، كان يجلس بصحبة خاله حيث حل عليه ضيافاً، يتسامران حول موقد النار الذي يضفي على الغرفة الطينية دفئًا لا يأتي من النار وحدها، بل من دفء الحديث الذي ينساب بينهما وأكواب الشاي التي تضيف إلى السهرة طابعًا من السكينة والحميمية.

في ليلة خيم فيها السكون على القرية، ارتفع نباح الكلاب بشكل مثيراً للريبة. فجأة، تصاعد صوت طرق شديد على الباب، مما أثار الخوف والقلق. نهض الخال على عجل ليفتح الباب، فإذا برجل في منتصف العمر يقف أمامه مرتديًا دشداشة بيضاء غمرها الطين وبللها المطر، وملامحه ترتجف بين قسوة البرد وذعر الخوف، وهو يصرخ مستنكرًا: "ضيفًا جئت، أليس للضيف عندكم ترحيب؟"

صرخ الخال بصوت جهوري، مليء بالترحيب: "أهلًا وسهلًا بالضيف، في كل وقت وحين!" دخل الرجل مذعورًا، يلتفت خلفه وكأنّ شيئًا ما يطارده، واتجه نحو النار محتضنًا دفئها كأنه يبحث عن أمان مفقود. لم يلبث طويلًا حتى طلب كوبًا من الشاي . بادره الخال بسؤال مشفق: "هل أنت جائع؟" فأجاب بصوت متعب: "لا، فقط شاي وفراش، فقد أنهكني التعب."

لكن الخال لم يستطع كتمان فضوله، فسأله: "ما الذي أتى بك إلى هذه القرية النائية؟ ومن أين قدِمت؟" بدا الارتباك واضحًا على وجه الضيف، وتأخر في الإجابة قبل أن ينطق بخفوت: "لقد ضللت الطريق، وتعطلت مركبتي... ولا أدري كيف انتهى بي المطاف هنا بينكم."

لم يطل المقام كثيرًا حتى غلبه النعاس سريعًا. طلب مني خالي أن أظل يقظًا وأراقبه بحذر، فقد يكون لصًا متخفيًا، وحذرني من أن يفلت دون أن نشعر به

ولكن دون أن أشعر، غلبني النعاس أيضاً، وحين أستفقت وجدت المكان خاليًا منه

ومع بزوغ الفجر تردد خبر في الأرجاء. سرعان ما انتشر بين الناس: جريمة قتل وقعت ، والجاني فرّ هاربًا في ظلمة الليل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شاعر و تاجر... الشاعر..زياد الحمصي

كل شيء لديها بهي ... بقلم الشاعر... ظاهر الشوكي

خاطرة بقلم: الشاعر فؤاد زاديكى