لغتنا الجميلة...بقلم الشاعر...خالد خبازة
لغتنا الجميلة
في البيان و البديع
البحث السابع
المقابلة :
و هي احدى أنواع البديع في الشعر
أن يأتي الشاعر بمعنيين متوافقين ، أو بمعان متوافقة .. ثم بما يقابلهما أو يقابلها على الترتيب .
و المراد بالتوافق خلاف التقابل .. و قد تتركب المقابلة من طباق و ملحق به ، مثال مقابلة اثنين باثنين . مثال قوله تعالى :
" فليضحكوا قليلا ، و ليبكوا كثيرا " .
و كقول النابغة الذبياني :
فتى تم فيه ما يسر صديقه
.......................على أن فيه ما يسوء الأعاديا
و عرف ابن رشيق القيرواني المقابلة في كتابه " العمدة في محاسن الشعر و آدابه " بأنها
مواجهة اللفظ بما يستحقه في الحكم .. و أصلها تركيب الكلام على ما يجب .. فيعطي أول الكلام ما يليق به أولا .. و يعطي آخر الكلام ما يليق به آخرا .. و يأتي في الموافق ما يوافقه .. و في المخالف ما يخالفه .
و أكثر ما تجيء في الأضداد .. فاذا جاوز الطباق ضدين ..كان ذلك مقابلة
كقول بعضهم :
فوا عجبا كيف اتفقنا فناصح
.........................وفيٌّ ، و مطوي على الغل غادر
فان الغل ضد النصح ، و الغدر ضد الوفاء .
و قول أبي الطيب :
فلا الجود يفني المال و الجد مقبل
............................و لا البخل يبقي المال و الجد مدبر
و مثال على المقابلة أربع بأربع .. و بالأحرى خمس بخمس كما في هذا البيت الرائع لأبي الطيب المتنبي .. ليس من حيث المعنى فقط ، و انما أيضا من حيث المقابلة ، و الذي لم يأت احد من الشعراء بمثله من حيث اتيانه بخمس طباقات في بيت واحد ، و هي مقابلة غاية في الروعة و الجمال :
أزورها ، و سواد الليل يشفع لي
........................و أنثني ، و بياض الصبح يغري بي
و يقول ابن أبي الاصبع عن هذا البيت في كتابه " تحرير التحبير ي صناعة الشعر و النثر " :
" فانه .. أي المتنبي .. جمع بين عشر مقابلات .. قابل : أزور بأنثني ، و سوادا ببياض ، و الليل بالصبح ، و يشفع بيغري ، و لفظة لي بلفظة بي ، على الترتيب .. و لا أعلم في باب التقابل ، أفضل من هذا البيت ، لجمعه من المقابلات ، ما لم يجمعه بيت لشاعر قبله و لا بعده ، حتى يومنا هذا ، مع ما فيه من تمكين قافيته "
و عرف أبو هلال العسكري المقابلة في كتابه " الصناعتين " :
ايراد الكلام ، ثم مقابلة مثله في المعنى و اللفظ ، على جهة الموافقة ، أو المخالفة . فأما ما كان منها في المعنى ، فهو مقابلة الفعل بالفعل ، كقوله تعالى :
" فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ."
فخواء بيوتهم و خرابها بالعذاب مقابلة لظلمهم .
و نحو قوله تعالى /
" فمكروا مكرا , و مكرنا مكرا "
فالمكر من الله تعالى .. العذاب ـ مقابلة لمكرهم بأنبيائه و أهل طاعته .
و قوله تعالى :
" نسوا الله فنسيهم "
و قوله أيضا :
" ان الله لا يغير ما بقوم ، حتى يغيروا ما بأنفسهم "
و من ذلك قول تأبط شرا :
أهز به في ندوة الحي عطفه
....................كما هز عطفي بالهجان الأوارك
و قول الأخر :
و من لو أراه صاديا لسقيته
.....................و من لو رآني صاديا لسقاني
و من لو أراه عانيـــا لفديته
....................و من لو رآني عانيـــا لفداني
فهذا مقابلة باللفظ و المعنى ..
أما ما كان منها بالألفاظ .. كقول عدي بن الرقاع :
و لقد ثنيتُ يد الفتاة وسادة
...................لي جاعلا احدى يديَّ وسادها
و قال عمرو بن كلثوم :
ورثناهن عن آباء صدق
.................و نورثها اذا متنا البنينا
أما فساد المقابلة .. أن تذكر معنى تقتضي الحال ذكرها بموافقة ، أو بمخالفة .. فيؤتى بما لا يوافق ، و لا يخالف .. كأن تقول :
فلان شديد البأس ، نقي الثغر ... أو جواد الكف ، أبيض الثوب
.
أو تقول :
ما صاحبت خيّرا ، و لا فاسقا ... و ما جاءني أحمر ، ولا أسمر .
ووجه الكلام أن تقول :
ما جاءني أحمر ، و لا اسود .. و ما صاحبت خيّرا ، و لا شرير .. و فلان شديد البأس ، عظيم النكاية .. و جواد الكف ، كثير العرف . . و ما يجري مع ذلك . لأن السمرة لا تخالف السواد غاية المخالفة .. و نقاء الثغر ، لا يخالف شدة البأس ، و لا يوافقه ..
و على ذلك القياس .
و من سوء المقابلة قول امرئ القيس :
فلو أنها نفس تموت سوية و لكنها نفس تساقط أنفســــا
فليس سوية ، بموافق لتساقط ، و لا مخالف له .
و من المقابلة .. ما ليس مخالفا ، و لا موافقا .. الا في الوزن و الازدواج .. و يسمى الموازنة .. نحو قول النابغة الذبياني :
أخلاق مجد تجلّت ما بها خطر
...................في البأس و الجود .. بين الحلم و الخبر
و على هذا الشعر .. حشا النعمان فم النابغة درا .
و ينضاف الى هذا القول .. قول المتنبي :
نصيبك في حياتك من حبيب
....................... نصيبك في خيالك من منام
و من أجمل الموازنات :
لكفاك أندى من غيوم سواجم
........................ و عزمك أمضى من حسام مهند
فكل لفظة من القسم الأول .. موازنة لأختها من القسم الآخر موازنة عدل و تحقيق
. و من المقابلة قولي في قصيدة "رسالة الى ولدي " البيت الثاني :
واربأ بنفسك عن ظلم ومعصية
.............................فالظلم ما إن يطل لا بد مرتحل
فلن يقال الذي غال الورى رجل
..........................لكن من يتقي ظلم الورى الرجل
و قولي أيضا :
هيهات ينفع في رد الهوى حذر
............................ لو كان ينفع في رد الهوى حذر
و هناك من يسميه بـ " الترديد "
الترديد هو
رد أعجاز البيوت على صدورها .. أو رد كلمة في النصف الأول ، الى النصف الثاني ..
كقول بعضهم:
سريع الى ابن العم يجبر كسره
.......................... و ليس الى داعي الخنا بسريع
و قول زهير :
ان تلق يوما على علاته هرما
...........................تلق السماحة منه و الندى خلقا
و للفرزدق
أصدرْ همومك لا يقتلك واردها
.................................فكل واردة يوما لها صدر
و لأبي حية النميري هذا اليت الجميل :
اذا ما تقاضى المرء يوم و ليلة
............................تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا
و للعرجي قوله :
الليالي اذا نأيتـــم طوال
.................و الليالي اذا دنوتم قصار
و ثنائي عليك غير ثناء
................ان تقربت أو نأت بك دار
و لي في هذا الموضوع قولي :
و اسلك سبيل الألى في كل مأثرة
............................. فمن مآثرهم ما يضرب المثل
فليس من مات في عرف الورى جلل
.............................لكنه جلل .. ان ماتت المثل
و قولي في القصيدة نفسها :
و اعملْ برأيكَ لكنْ غيرَ مرتجـــلٍ
....................فليسَ ينفـعُ رأيٌ حينَ يُرتجل
*****
خالد ع .خبازة
اللاذقية
تعليقات
إرسال تعليق